الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
وأن السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفًا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكًا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه أغات الانكشارية والوالي وأكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالإفرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بنديرته في بركة الأزبكية من ناحية قنطرة الدكة على صاري طويل مرتفع في الهواء واجتمع إليه كثير من النصارى الشوام والأقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الإفرنجي. وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها أنه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل إليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال له ما المراد إن كان حضرة الباشا واليًا على مصر فليأت على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وإن كان خلاف ذلك فأخبرونا به الى أن انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارًا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الإفرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام. وفي عشرينه وصل حسن باشا الذي كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبهانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظًا به من كل ناحية. وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي أن محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في أن يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بأن يركب ويعمل رماحة ثم يأتي إليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود وأوصى على ذبح أغنام ويعملون له كبابًا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية أرسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية أنهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن أعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الأزبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى أحمد بك الأرنؤدي وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت أحمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي أتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فأمر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فانزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلفت رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الأرنؤد والمصرلية وكذلك المماليك المصرلية أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند أحمد بك ومن معه من أكابر الأرنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه وأخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة ألف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشًا لأن فرسه أصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به وذلك عند وصوله الى بيت أحمد بك وركب معه أحمد بك أيضًا وأخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على أحمد بك فروة سمور وقدم له حصانًا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان. وفي يوم الأحد سادس عشرينه وردت الأخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على العثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد أن حاربوا عليه نيفًا وعشرين يومًا وأسروا السيد علي القبطان وآخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وأرسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد أن قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكًا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة أصابع وهو نحو الثلثين وأظلم الجو وابتداؤه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في أيام زيادة النيل نسأل الله عفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. وفيه وردت الأخبار بأن علي باشا كسر السد الذي ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الأيام بالمرمة والعمارة إذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الأحوال وأهمل غالب الأمور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الأراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عامًا فلم يتدارك أمره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضًا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الأراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية وشرقت الأراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق وحول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل إليهم إلا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير أو ما خزنوه من مياه الأمطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندي معين لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الإتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحي فما هو إلا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الأجناد المصرلية وحاربوا السيد علي باشا القبطان على برج وشيد فخاخ حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيًا ورجع التلف كما كان وهذهب ما صنعه صالح أفندي المذكور في الفارغ بعدما صرف عليه أموالًا عظيمة وأما أهل سكندرية فإنهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى أزمير وبعضهم الى قبرص ورودس والأضات وبعضهم اكترى بالأيام وأقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة إلا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم أيضًا مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل إن علي باشا المذكور فرد عليهم مالًا وقبض على ستة أنفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابًا للبرديسي يعدونه أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسًا بشفاعة القبطان الذي في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه أن يطلق فيه ماء البحر المالح فإن فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب إقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا أيضًا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز. وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانًا معددًا وأكرمه وعظمه وأنزلوه عند علي بك أيوب وأعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والأجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر. وفي أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أيامًا ثم انحط الرأي على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميري عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصًا إقليم البحيرة فإنه خرب عن آخره ثم أن البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الإمداد الذي أتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من الشوادر والحواصل والأخشاب والأحطاب والبن والأرز وقلت الأقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الأرز بل والأرز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الأقلام ولا تحيط به الأوهام. وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسئ نقص النيل نقصًا فاحشًا وانحدر من على الأراضي فانزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطًا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الأردب ونصف أردب والفقير لا يأخذ الأويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم آغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرًا عن أصحابها ويخزنوها لأنفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الأسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والإقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم إلا على نفسي فقالوا إذًا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا. وفي أواخره وردت الأخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع أنهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لأمور الأول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني إلحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون. في أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤون على نقل الماء الى الصهاريج والأسبلة ليلًا ونهارًا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالأراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون. وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما أصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير وأصبح البرديسي مجتهدًا في ذلك وأرسل محمد علي وخازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبه غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضًا وفتحوا الطوابين والخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالأسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الأردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير إن وجد وكان السعر لا ضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الأرياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي. وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة أيام وقطع عنها الماء ثم رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الأول ورد المكوس والمظالم. وفي يوم الأحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس. وفي يوم الاثنين عملوا ديوانًا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والألفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرًا وكذلك على باقي الأمراء والكشاف والأجناد كل منهم على قدر حاله في الإيراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسًا ومنهم عشرة وخمسة وإثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرًا كبيرًا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الأصل ألف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت. وفي يوم السبت رابع عشره أنزلوا فردة أيضًا على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف كل طائفة قدرًا من الأكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الأعوان للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوات للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى أمر شنيع وهو أنهم سعروها كل أردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته إلا بإذن من القيم بعدما يأخذ منه نصف الغلة أو الثلث أو الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن وإذا أراد ذو الجاه الشراء ذهب أولًا سرًا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلًا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه وإذا حضر ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل أردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الأجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم أربعمائة أردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئًا ويعطي للخبازين من المائتين خمسين أردبًا أو ستين ويبيع الباقي بأغراضه بما أحب من الثمن ليلًا فضج الناس وشح الخبز من الأسواق وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والأمر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن فلا يقدر من يشتري شيئًا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكتري واحدًا عسكريًا أو مملوكًا يحرسه حتى يوصله الى داره وإن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحري أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء. وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوي وهو الذي كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوي. شهر رجب الفرد سنة 1218 استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الآغا أمين البحرين والساحل ورفق بالأمر واستقر سعر الغلة بألف ومائتين نصف فضة الأردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدًا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفًا فيكون القنطار بأربعين ريالًا وأما التبن فصار يباع بالقدح إن وجد وفيه حضر واحد انكليزي وصحبته مملوك الألفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكًا ومدافع وأشيع حضور الألفي الى سكندرية ثم تبين أن هذا الانكليزي أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس أن الألفي حضر الى الاسكندرية وأن هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك. وفيه حضر أيضًا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة الى بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الأمراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا إن الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئًا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الأمر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك. وحضر أيضًا صحبة أولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب أخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال أخوه إنها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الإكليل الذي هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابًا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الإكليل فيكون الحق في تركته لأخيه لا لها. وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الإفرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الإفرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وأردبوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الأيام ثم عادوا فمروا بمساكن الإفرنج ووكالة القنصل فأخرج الإفرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالًا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من أسفل بالبنادق فضرب الإفرنج عليهم أيضًا فلم يكن إلا أن هجموا عليهم دخلوا يحاربونهم في أماكنهم والإفرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابًا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر أتباع الباشا فإنه لما خرج الإفرنج وتركوا أماكنهم دخلوا إليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر إليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها. وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فامتنعوا عن الكتابة إلا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيري المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه إذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك. وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه أيضًا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الأزهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزًا. وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وأرسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولأجل الأخذ في تشهيل أمور الحج وإن تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام. وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولًا الى أحمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر. وفي هذه الأيام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالأسواق وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميري ومال الجهات ورفع المظالم عن سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد أمراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الأرنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على أعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها وأعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد إن أمكنه ذلك. وفي أواخره نبهوا على تعمير الدور التي أخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل وأحدثوا على الشوارع السالكة دروبًا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد أهل الأخطاط بعضهم كما هو طبيعة أهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتمامًا عظيمًا وظنوا ظنونًا بعيدة وأنشأوا بدنات وأكتافًا من أحجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من أصحابها وفردوا أثمانها عن أهل الخطة. وفي أواخره أيضًا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الأبراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فإنه أنشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذي هو بيت حسن كاشف جركس إحداهما عند قناطر السباع والأخرى عند المزار المعروف بكعب الأحبار وبنى حولهما أبراجًا عظيمة وبها طيقان وبداخلها مدافع أفواهها بارزة تضرب الى خارج ونقل إليها مدافع الباشا التي كانت بالأزبكية فسبحان مقلب الأحوال. وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودي الى بولاق وأخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وأرسلوه الى بحري فارتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال. شهر شعبان سنة 1218 أوله يوم الأربعاء وفيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذي يقال له ديوان أفندي وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة مضمونه الرضا عن الأمراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الأعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل أمير فائظ خمسة عشر كيسًا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الأوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميري وأن الكلام في الميري والأحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذي يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذي يحضر أيضًا فلما قرئ ذلك بحضرة الجمع من الأمراء والمشايخ أظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأي على إرسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابًا مضمونه مختصرًا أنه وصل إلينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الأحوال وأعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محم ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوي. وفي هذه الأيام كثر عيث العسكر وعربتهم في الناس فخطفوا ععمائن وثيابًا وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم. وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقًا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم. وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم فانزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة وأغلقوا الدكاكين واجتمع الناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والسيد عمر النقيب والشيخ الأمير فركبوا الى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الآغا والوالي وأمامه عدة كبيرة من عسكر الأرنؤد وخلافهم والمنادي ينادي بالأمن والأمان للرعية وإن وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وإن لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمناداة خطفوا عمائم ونساء. وفي ليلة الأربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته وأخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها أيامًا حتى انتفخ فأخرجوه وأخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الأمراء وأن بعضهم اشترى منه أواني نحاسًا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه أيام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت ليس عندي شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ وأخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام وأخذها وخرج. وفي يوم الأحد ثاني عشره نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر أن أتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على أن الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدًا فكان هذا أول أحكامه الفاسدة. وفي يوم الأربعاء أشيع أن الأمراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضًا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذي تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضًا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادي الذي قتل بأبي قير الذي تزوج امرأج سيده أيضًا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الأشقر الذي تزوج امرأة سيده أيضًا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوي ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الآغا وتزوج ابنته أيضًا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابًا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقًا. فلما كان يوم الأحد تاسع عشره عملوا ديوانًا بالقلعة وألبسوا فيه خمسة عشر صنجقًا. وهم أربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الأمير ابراهيم بك الكبير عوضًا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذي تزوج بزوجة سيدة زينب هانم ابنة الأمير ابراهيم بك أيضًا ومحمد كاشف الغربية وعمر تابع عثمان كاشف الأشقر الذي تزوج بامرأته وخليل آغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البرديسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادي ورستم تابع عثمان الشرقاوي وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذي تزوج بامرأته ومن طرف الألفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليًا عوضًا عن حسين المذكور وفيه ورد بوصول طائفة من الانكليز الى القصير وهم يزيدون على الألفين. وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه أنه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وأنه يأمر بتشهيل أدوات الحج ولوازمه وأطلق أربعة وأربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار. وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل أحمد باشا الجزار وأكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيًا بعد أيام. وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق أن جماعة من عسكره الأتراك الذين انضموا إليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودي بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الأتراك ثلاثة ومن البحرية أربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبًا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من الأمراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الألفي فأرسل البرديسي خبرًا الى الألفي بعزل حسين بك عن قبطانية البحر وتولية خلافه فلم يرض الألفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الأمر على أن حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطبيبًا لخاطر سليمان بك وإخمادًا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه. وفي يوم الأحد سادس عشرينه ألبس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي آغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضًا عن سيده وكان شاغرًا من مدة حلول الفرنساوية.وفي
|